
ما الحق ؟ وما علاقة الحق بالحي القيوم
من تعاليم الحقائق الكشفية لمولانا ، تقديم وشرح مولانا الشيخ نورجان ميراحمدي قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
كن صبورا على ما لا تعرفه وما ليس مألوف لديك
استكمالا لما تحدثنا عنه مسبقا حول الحقائق الكشفية والعلوم اللدنية لأولياء الله، وتذكيرا للجميع، عليك ان تكون صبور على كل شيء غير مألوف لديك وليس لك به علمان هذا النوع من العلوم والأسلوب من التعاليم الروحية ينتمي الى حقائق عالم الملكوت النوراني (العوالم العلوية السماوية)، عالم الملكوت هو عالم مختلف جدا عن عالم الملك الدنيوي. ولكن ولله الحمد هنالك ما يزال من الطلبة والباحثين عن هذه الحقائق من يستطيعون ان يتعاملوا في هذه العوالم النورانية
من المفهوم والواضح للكل ان البشر جميعا يحاولون ان يتنافسون في تعريف ووصف ماهية الحق، واهمية الحق والحقيقة في حياتنا. فنجد ان الكثير يزعمون انهم على حق، او ان اعتقاداتهم وافكارهم تمثل الحق، او طريقتهم وفرقتهم ومجموعتهم وطائفتهم على الحق. على النقيض من ذلك عندما يقوم أولياء الله بإرشادنا وتعليمنا عن الحق والحقيقة، فانهم يجلبون هذه الحقائق الغيبية والعلوم اللدنية من قلب وروح سيدنا محمد ﷺ هنالك حيث تتجلى جميع حقائق القران الكريم وحقيقة الأحاديث النبوية الشريفة.
بعد ان اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله عز وجل (قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) سورة الاسراء الآية ٨١
اذن الله يقول، هذا يعني ان الله يتكلم ويقول الى شخص بذاته. عليك الان ان تتحلى بالصبر، الله يتكلم مع شخص بذاته وهذا الشخص يفهم ويستوعب قول الله عز وجل كما يريد الله عز وجل، وعلينا ان ندرك انه عندما يقوم أولياء الله بتعليمنا حقائق القران لا يتكلمون عن نفسك او عن نفسي، فهم ينطلقون من مستويات معرفية تؤهلهم لفهم الخطاب القرآني كما يريد الله عز وجل وليس كما تريد اهوائهم واغراضهم النفسانية وتميل بهم، إذا اردت فهم ما يقصدون، وأردت ان تشاهد نفسك على حقيقتها ومقامها عند الله عز وجل، فيتوجب عليك ان تسلك طريق ان تكون لا شيء مفتقرا ومتواضعا لله عز وجل في كل شيء
الحق الوحيد الذي أخبر الله عز وجل عنه هو سيدنا محمد ﷺ
عندما تسلك طريق ان تكون لا شيء (ان تدرك أنك لست بشيء يذكر مقارنة لهذا الكون والوجود)، تستطيع ان تفهم ما الذي يقصده أولياء الله عندما يخبروننا بأن القران الكريم هو حوار بين الله عز وجل وحضرة سيدنا محمد ﷺ
ان هذا الحوار القرآني لكلام الله عز وجل الازلي القديم لحضرة سيدنا محمد ﷺ هو متجاوز للزمان، حيث لا زمان: متى بدأ هذا الكلام لا نعلم ومتى ينتهي ليس لدينا أي فكرة، لان هذا الكلام الإلهي الذي يشكل القران الكريم ليس من عالم الأرض. بل هو سماوي من عالم الملكوت النوراني حيث لا زمان. الله عز وجل ليس له زمان يحده فهو خالق الزمان جل جلاله.
الزمن والوقت يمكن دراسته كنتيجة لحركة الأرض والشمس والقمر. اما في عالم الملكوت وعالم الانوار، ليس هنالك زمان. انه عالم فوق المادة فهو عالم قديم.
كلمات الله عز وجل تتنزل على من هو حق لله عز وجل. عندما ندرك ان الفعل (قل) يتطلب حضور قائل وحضور مستمع أي اثنان، المتكلم واحد والمتكلم اليه واحد. (قل جاء الحق) ـ يوضح أولياء الله بأن الله عز وجل عندما تكلم وكان نتيجة هذا الكلام القران الكريم فقد كان المتكلم اليه هو حضرة جناب الحق سيدنا محمد ﷺ، يقول الله مخاطبا نبيه في هذه الآية الكريمة، انه يا محمد ﷺ عندما تجيء حقيقتك وتظهر حيث خلقتك كأكمل واتم حقيقة تشير اليّ (الى حضرة الله عز وجل). هل بعد هذا الوصف من يمكن ان يقال له حق؟ كل ما عداه فهو باطل، وان وجد به حق فهو مثل القطرة من بحر الحقائق المخلوق من الله عز وجل وهو سيدنا محمد ﷺ.
وقُلْ جاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ، إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿٨١﴾ سورة الاسراء اية
الخلق جميعا مخلوقين من نفس كلية واحدة ونور النبي ﷺ
كلام الله عز وجل تجلى تنزلا الى أكمل فرد، واصدقهم بأنوار الحق. هذا الفرد الكامل هو نور جميع الانوار، وهو نور كل سر في هذا الوجود، وكل سر في هذا الوجود هو من نوره فهو نور الانوار وسر الاسرار ﷺ.
هذا النور هو النور الذي خلق الله تعالى به السماوات والأرض وجميع الخلق وهذا يجعلنا نفهم حقيقة ان كل شيء من ماذا؟
ليس هنالك في الوجود الا لا إله الا الله، محمد رسول الله ﷺ لا يوجد حقيقة ثالثة. فنحن اذن قطعا لسنا من الله عز وجل بل نحن من نور وسر حقيقة محمد رسول الله ﷺ. من الواضح ان الخلق لا ينتمون الى حقيقة لا إله الا الله، لان الله عز وجل واحد أحد لا شريك له ولا حضور معه بل حضوره الذاتي يفني الجميع.
من اجل توضيح حقيقة التوحيد، علينا إدراك ان الله عز وجل هو من بيده الحول والقدرة والقوة فقط، وأننا كمخلوقات لله عز وجل مثل الكمبيوترات، والله عز وجل هو من يمدنا بالقدرة والقوة، اما كمخلوق لن يستطيع ابدا فهم ذات خالقه عز وجل او ان يصفه ابدا.
اما نحن كمخلوقات فإننا ننتمي الى حقيقة محمد رسول الله ﷺ، ليس بأجسادنا (لان الحق ليس جسد وشكل) بل من نور وروح.
يقول الله عز وجل:
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا… ﴿٦﴾ من سورة الزمر
يشير الله عز وجل في هذه الآية الكريمة ان أصل الخلق نفس واحدة وخلق واحد ومن روح واحد ومن نور واحد. هذا النور الأصلي وأول الخلق هو النور المحمدي (نور النبي وحقيقته الروحانية الازلية ﷺ) وهذا هو الحق، وهو حق الله عز وجل.
كل شيء تم خلقه بالحق (وله حقيقته)
لقد خلق الله عز وجل كل شيء بالحق، وكل شيء مخلوق وله حقيقة، أولياء الله كوشفوا بهذه المعاني من علم الله اللدني وأخبروا معلمين الناس عن أصل الخلق والنور والحقيقة المحمدية.
﴾الله عز وجل يقول في الآية رقم ٥ من سورة الزمر: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ … ﴿٥
عندما يسأل الناس من هو او ما هو الحق الذي يتكلم عنه الله عز وجل، ما الذي يقصده الله عز وجل بكلمة الحق؟
ان الله عز وجل قد خلق كل الخلق، وخلق نور (روح وحقيقة ازلية اولية) سيدنا محمد ﷺ، فكلما كان هذا المخلوق يحمل من نور روحانية سيدنا محمد ﷺ ويتخلل هذا النور وجوده وكيانه، فان هذا المخلوق حقيقي وليس زائف وفاني بل يدوم ينمو ويبقى، لان نور النبي ﷺ هو نور الحق من وصفه الله عز وجل بالخلق العظيم، فكل على قدر ما يحصل المخلوق من هذا النور على قدر ما يكون به من الحق والصفاء. يقول الله عز وجل عن حقيقة خلق سيدنا محمد ﷺ في سورة القلم الآية رقم ٤
لا أحد يستطيع ان يفهم معاني القران الكريم ويحمله الا جناب الحق، سيدنا محمد ﷺ
يقول الله عز وجل في آياته مخبرا عن حقيقة الحق وجناب الحق سيدنا محمد ﷺ واهليته لتحمل الكلام الإلهي بأنه تم تعليمه من شديد القوى، حيث علمه الله عز وجل بالقوة التي أعطاه إياها عندما علّمه القران قبل ان يخلقه، وبان نظر الله عز وجل وكلامه له وامره للنبي ﷺ بالقول وحقيقة القول في ق والقران المجيد. كل هذه الآيات مجتمعة توضح حقيقة القران وجناب الحق ﷺ.
﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿، سورة النجم الآية رقم ٥
عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴿٣﴾، سورة الرحمن الآية ٢ و٣
ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴿١﴾، سورة ق الآية رقم ١
كلمة قل في القران الكريم تعني القدرة الإلهية الموهوبة الى لسان الحق
كل شيء يخلقه الله عز وجل له سر، وسره موضوع في مكوناته البنائية.
القران الكريم من عالم الملكوت (عالم الامر السماوي) وليس من عالم الشكل والمادة، أحرف القران الكريم تكشف لنا عن اسراره، لان أحرف القران هي مكوناته الأولية لتشكيل كلماته. عندما يتكلم الله عز وجل مخاطبا نبيه ﷺ بكلمة قل فأن هذه الكلمة هي من حرفان ق ولام، والحرف الإلهي له القدرة على التكوين لأنه من القران المجيد، حرف القاف السماوي من كلام الله عز وجل يتجلى على روح النبي ﷺ معطيا إياه قدرة من الله عز وجل، ومن الحرف اللام السماوي الملكوتي النوراني يعطي الله عز وجل على لسان قلب نبيه ﷺ قدرة قول الحق، بهذا الروح التي تجلى عليها هذان الحرفان من الكلام الالهي يكون النبي ﷺ هو جناب الحق المخاطب بقاف القدرة ولام لسان الحق ليحمل حقيقة القران من عالم الملكوت ابتدأ. اولا علمه القران ثم خلق الانسان.
لهذا لا يمكن ان يحمل هذا القران أي شيء ولو كان جبلا فانه سوف يتدكدك ويصبح غبارا، ولكن يحمله جناب الحق سيدنا محمد ﷺ.
يقول الله عز وجل في سورة الحشر الآية ٢١:
﴾لوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ …﴿٢١
كل من يبتعد عن جناب الحق فهو باطل وسوف يهلك ويزهق
كل شيء في هذا الوجود مخلوق بالحق، بمعنى ان كل مخلوق له وجود إضافي غير ذاتي يحتوي على قطرة من الحق، وهذه القطرة هي السبب لبقاء وجوده، كلما ابتعد عن الحق، يصبح هذا الوجود مهدد بان يحكم عليه بالبطلان والزهوق أي الهلاك، لأنه لا معنى حقيقي لوجوده، أي لا حق فيه، فيجب ان يهلك.
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ … ﴿٥﴾ سورة الزمر اية ٥
ماذا يحصل لأي شيء يبتعد عن الحق وعن نور سيدنا محمد ﷺ؟ سوف يصبح باطل (يحكم الله عز وجل عليه بالبطلان والزيف).
الله عز وجل يحكم على هذا الشيء المبتعد عن جناب الحق ﷺ، بانه باطل، طالما انه ابتعد عن الحقيقة المحمدية وانوارها سوف ينتهوا بالبطلان والهلاك وان ظهروا في عالم الملك، فهذا الظهور مزيف وسوف ينتهي حتميا، لان نور الحق الساطع سوف يهلك كل الانوار المزيفة. عالم الملك عالم تختلط فيه الانوار والصور والمظاهر، في عالم الملك يختلط الحق بالباطل، لذلك يصف الله عالم الملك ومظاهر الحياة الدنيا بالوهم والسراب لان الحق مختلط بالباطل في هذه الدنيا.
في عالم الملك لا تظهر الأشياء على حقيقتها بشكل واضح للجميع، لأنها موضع الابتلاء واختلاط الحق بالباطل ينتج الوهم (اختلاط الحقيقة بالزيف فيتوهم المرء انه يدرك الأمور مثلما عليه، فيفاجئه الواقع بان الحق ليس كما ظن).
الباطل مصيره ان يزهق ويفشل وينتهي وهذا لان الله عز وجل حكم عليه بهذه النهاية لأنه زائف ومبتعد عن نور الحق ﷺ
لهذا السبب ترى ان أجساد الشهداء والاولياء الحقيقين لا تأكلهم الأرض ولا يتحللوا في الأرض، من وقت لوقت تظهر هذه الكرامات وتسمع بهذه الاخبار ليبقي الله شاهدا على هذه الحقيقة، ان هنالك بشر أجسادهم لا تبلى، ما السبب؟ لقد تخللت أجسادهم انوار حضرة الحق ومحبة سيدنا محمد ﷺ وتطهرت كياناتهم من أي باطل. الشأن الاخر علينا فهمه ان عالم الملك الدنيوي هو عالم المظاهر الخداعة والزائفة لهذا أخبر الله عز وجل بأن هذا العالم سوف يدمره ويفنيه قبل يوم القيامة. كل شيء سوف تقوم قيامته ويهلك على هذه الأرض، ما عدا حق الله عز وجل. الحق هو الثابت الدائم، الباطل ما هو دنيوي ومادي حادث وسيزول
الحق اسم يتكون من حرفين وجوديين الحاء بمعنى الحي، والقاف بمعنى القيوم
عندما نبدأ بفهم ان الحق هو سيدنا محمد ﷺ بالمعنى المؤسس على علم الحرف القرآني، يأتوا أولياء الله ليعلمونا بالحقائق التي كوشفوا بها. وعندما تعرف أكثر ماذا يقصدونه وتتعلم منهم سوف تدرك ان الحق المشار اليه موجود أينما تذهب. هذه التعاليم التي يتكلم عنها أولياء الله ليست من اختراعاتهم بل حقائق علمها الله عز وجل لهم.
الله عز وجل انزل القران بحروفه، وبما ان القران كلام الله عز وجل وهذا الكلام يتكون من حروف، عندما يريد الله ان يخلق شيء يأمر هذا الشي بكلامه وقوله (امره) المؤلف من حروف ويتكون ويظهر في الوجود، اذن هذه الحروف له رتبة وجودية بمعنى لها سر خاص، فهذه الحروف تملك اسرار قد علم الله عز وجل هذه الاسرار لأوليائه، لكي يقوموا بتعليمنا إياها لنفهم، لان الله عز وجل يريدنا ان نفهم كتابه ، واذا اردت ان تفهم ابجدية وحروف هذا القران المجيد، عليك ان تنهل من معارف أولياء الله عز وجل.
حق ( مؤلف من حرفين الحاء والقاف ) ، الحاء ترمز الى بحر حقائق حياة الخلود وماء الحياة الأبدية، حيث ان الله عز وجل قد اعطى هذا الحرف رتبته ليرمز الى حياة الابد وامده بهذه القوة من اسمه الحي. القاف حرف وجودي يمده الله عز وجل من بقوة اسمه القيوم. فروح النبي ﷺ تحمل انوار وقوة وقدرة واسرار حرفي الحاء والقاف واسمي الحي واسم القيوم المستمدين والمنعكستين من الله عز وجل عليه.
الله عز وجل قد انزل القران على روح سيدنا محمد وقلبه قبل ان يخلق جسده اولا، وبما ان القران يحمل كلام الله عز وجل وكلام الله مؤلف من حروفه، وهذه الحروف تمثل رتب وجودية في العالم المرئي والغيبي وتتحكم فيه بأمداد انوار هذه الحروف المستمدة من الله عز وجل، فان اول من تجلت على روحه هذه الحروف المقدسة هو سيدنا محمد ﷺ، حيث ان روحه الشريفة ﷺ قد أعطاها الله القدرة لحمل هذه الاسرار والانوار. ومن هذا الروح المحمدي ﷺ تفرعت الحقائق الى أولياء الله على قدر ما نالوا من هذه الاسرار والعلوم والقدرات.
لقد خلق الله الأرواح والانفس من النفس الواحدة المحمدية ﷺ، ولكن اختلفت الانوار باختلاف الأرواح ومقدار تحصيلها لهذه الحروف بحسب القرب والبعد من الروح المحمدي الكامل ﷺ وهو الحق، حيث الله هو الممد للقوة والقدرة بالأسماء والحروف المختلفة، لان الله عز وجل هو الممد لروحك وجعلها حي قيوم، ولم يجعل هذا لايء أحد اخر، لا يمكن لأي أحد غيرك ان يتحكم في ذلك او ان يتحكم بمصيرك
النفس الامارة بالسوء هي شريك للشيطان، وليست النفس الكاملة
اذن كل منا يحمل في أعماق نفسه حقا وباطلا. ان النفس الانانية والنفس الامارة بالسوء هي قطعة من جهنم وذات طبع ناري. هذه النفس الخبيثة الانانية لا تعرف أي شيء عن الجنة ولا تريد الجنة اصلا لأنها ذات مصدر من جهنم وطبع ناري.
عندما يولد الانسان بمجرد ان يبلغ عمره سنتين تبدأ هذه النفس الجهنمية بالتكون تدريجيا وتكتسب قوتها من انانيتها وحبها لذاتها وللدنيا ورغباتها من هنا يدخل عليها الشيطان ليسول لها غايتها وأهدافها، فهي تشترك مع الشيطان وتشرك بالله.
اما النفس الكاملة الناظرة للروح فإنها تتذكر عالم الجنة وتتذكر الحق ولا تعلم لله شريكا ابدا لأنها تشهد الحق، ولكلام الله عز وجل حيث قال في سورة الاسراء الآية ٨١:
﴾وَ قُلْ جَآءَالْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ، إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿٨١
لكل انسان نفس ولكل نفس مقعد جنة او مقعد من النار، فاذا غلبت الانانية والجهنمية والطبع الناري الشيطاني على هذه النفس ولم تتزكى فسوف يكون مصيرها النار جزاءا وفاقا لطبيعتها. اذن عليك ان تختار مصيرك وماذا تريد. فاذا اردت نار جهنم ما عليك الا ان تتبع نفسك وتعبدها وتخضع لاهوائك ووسوستك وسوف تصل الى مصيرك الابدي جهنم والعياذ بالله.
هذه النفس تحمل في طياتها طبع ناري موافق للشياطين، إذا لم تتزكى وتتريض، وبما ان الشيطان مخلوق ناري قديم قد خلقه الله عز وجل في هذه الدنيا لغاية بالغة فانه لا يموت، لأنه منظر من الله عز وجل ليوم يبعثون، بينما الجن وهم أيضا مخلوقات نارية يمكن قتلهم. اما الشياطين لا تموت الا ان يقضي الله على الحياة الدنيا، ولهذا معنى دقيق انه طالما ان هنالك عدو لابن ادام وهو الشيطان، فأنك ان اردت ان تسلك حياتك بطريقة نفسانية شهوانية انانية هذا سوف يجلب لك كل الشياطين التي ستساعدك لتحقيق هذه الغاية وهي بطريقها ستقودك الى جهنم.
عليك ان تعرف من هو قرينك؟ ومن هو شيطانك بناءا على معرفتك بنفسك وشريكها؟ تبدأ عملية تعرف النفس الانانية على شيطانها بعد عمر سنتين، فترى الأطفال بعمر سنتين تظهر عليهم علامات الشقاوة والصراخ والمشاغبات. لا تستغرب انهم يتعلمون من شريكهم القديم في هذه الحياة الجديد عليهم وهو الشيطان، ويعلم أنفسهم كل فنون الخداع والتلاعب بالمشاعر والكذب والغش للحصول على ما يشتهون
لا يمكن القضاء على النفس الخبيثة ( الامارة بالسوء ) الا بنور الحق واشعاع الحقيقة
الشيء الوحيد القادر على القضاء على هذه النفس الخبيثة لاسترجاع النفس الكاملة المرتبطة بالروح هو الحق.
أي حق؟ ليس أي حق بل الحق الذي أراده الله وهو سيدنا محمد ﷺ هذا هو منهج القضاء على النفس الخبيثة، لأنه النور الذي يطهرها، النفس الخبيثة بتحالفها وتشاركها مع الشيطان قرينها من اجل التسويل والحصول على رغباتها تشكل الباطل. فلا يمكن للحق ان يجتمع مع الباطل، إذا تواجد نور الحق لا بد ان يفنى ظلمة الباطل فورا. النفس الخبيثة باطل، الشيطان باطل وكل هذا يزهق بنور وهداية النبي الحق سيدنا محمد ﷺ، فمجيء نور النبي ﷺ هو موت للباطل وزهوقه، وهذا هو السبيل الذي أعده الله عز وجل لهذه النفس للخروج لا طريق أخرى
تتمحور حياتنا الايمانية في كيفية بناء أنفسنا بنور الحق للوصول الى كمال أنفسنا. إذا رزقك الله عز وجل الإخلاص في عملك الصالح سوف يفتح عليك من بحر رحمته ومن نور حقه فتصل الى كمال نفسك وبداية حقيقة روحك.
اما إذا لم تبلغ بعملك وصدق توجهك وتتطهر نفسك بأنوار الحق، فهذا مؤشر يستدعي القلق، إذا كنت تعمل بعمل اهل الايمان ولم تحصل على هذا النور الحق فربما لن يفتح لك لان الله لم يرضى منك هذا العمل، وإذا تابعت فيما انت فيه بنفس الطريقة ولو لخمسين سنة قادمة فلن يحصل شيء وسوف تبقى مكانك
أولياء الله اكتسبوا محبة الله عز وجل بسبب متابعتهم الكاملة للنبي ﷺ
لقد حرص أولياء الله على متابعة النبي ﷺ بشكل كامل، فأصبحوا من ورثة علومه ولهم اتصال به. النبي محمد ﷺ بحقيقته الروحانية هو تجلي الحق وتنزله لينير ويهدي الى طريق معرفة الله عز وجل. وهو الذي يمدهم للسير الى الله في حياتهم الايمانية والاقتراب من الله ومعرفته، لذلك عشقوا النبي ﷺ وأحبوه، وزاد اتباعهم له وقربهم منه فأحبهم الله عز وجل. وما يزالون يتابعونه في كل شيء حتى يتشبع كل ذرة في كيانهم من انوار حقه ومحبته. كنتيجة لذلك فان أولياء الله يبقون تركيزهم على النبي ﷺ، ليكسبوا محبته ومحبة الله عز وجل.
وهذا هو سر الآية الكريمة ٣١ من سورة ال عمران، يقول الله تعالى:
﴾قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣١
ارواحنا مسجونة لكن أرواح أولياء الله حرة طليقة
كيف يمكن ان تكون حياتك إذا اعطاك الله الحب وحقيقته؟ هل تتسأل عن هذا العطاء؟ هل هنالك حد لحساب هذا العطاء؟
إذا أراد الله عز وجل ان يعطيك قطرة من هذا البحر لتعيش به، وتعلم وتدرك من هم اهل الحياة، وتصبح منهم. عندئذ يمكنك ان تدرك ما هذا الحب الإلهي، إذا انغمست روحك في بحر حياة الخلود الابدي، وتلبست روحك بأثواب نور القيوم وانعكست على جسدك المادي من روحك المتحقق بالحق وبأنوار الحي القيوم سوف تحصل على حرية روحك وسيطرته على جسدك المادي. لكن معظم البشر في هذه الحياة الدنيا ارواحهم اللامحدودة أسيرة ومسجونة تحت تحكم أجسادهم المحدودة فهم لا يعيشون حياة
حقيقية وهم أسرى أنفسهم.
این جهان زندان و ما زندانیان حفره کن زندان و خود را وا رهان
ان هذا العالم سجن وكلنا مسجونين فيه
علينا ان نحفر حفرة ونخرج أرواح المدفونين فيه
الحرية الفعلية تكمن في انهم يعيشون في هذا العالم بتوجيه وقيادة من ارواحهم على أجسادهم، لأنهم اهل الحق بحثوا عن الحق واستناروا بنور الحق فحررهم الحق، حريتهم ليشت شقشقة السن وكلام وعبارات شعرية بل الله عز وجل كسى ارواحهم من بحر حياة الخلود الابدي وشربوا من اكسيره، وهم لهم القيوميّة على اجسامهم بتفعيل من ارواحهم العلوية المستنيرة بتجلي اسم القيوم عليهم
ما هو وصف اهل الحق؟
الوصف الشاهد لأهل الحق من الفهم للحديث القدسي، بعد ان ادوا ما عليهم من فرائض وبدأوا بالتقرب الى الله عز وجل بالنوافل وبمحبة الله عز وجل، حتى يصبح الله بصرهم، وهذا هو نص الحديث الذي لا يسعك ان تنكره.
عَنْ أَبِيِ هُرَيْرَةِ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ اللهَ تَعَالَىٰ قَالَ: …وَمَا تَقَرُّبِ إِلَيَّ عَبْدِيِ بِشَيْءٍ أَحُبَّ إِلَيَّ مِمَّا اِفْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتَ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، … “[رَوَاهُ الْبُخَارِي]
اذن بعد ان أدركت هذا الوصف لحقيقة وحال اهل الحق من أولياء الله، لا جدوى بعد الان من الصراخ والخوض في جدالات عقيمة لا فائدة منها: عندما يدعي كل شخص انا على الحق!، نحن على حق! هذا على حق وهذا على باطل!
الامر ليس كذلك، عليك ان تفهم الحديث وما الوصف الواقع، هل تحصل لك هذا الوصف وعايشته في حياتك؟ إذا لم تكن ممن هم كذلك لا تنكر الحديث، والأفضل لك بان تبدأ بالبحث عمن هم اهل الحق
أولياء الله ينعمون من ماء حياة الخلود وبذلك يستطيعون احياء القلوب
أولياء الله هم اهل الحياة الأبدية الحقيقية الذين يتنعموا بصفة الحياة الحقة المعطاة لهم من الله عز وجل. من الإشارات اللطيفة على حضور مثل هذه الأرواح الطاهرة أنك عندما تصحبهم ستجد قلوبهم مفتوحة للجميع، وتجد ان الأطفال تحب الاقتراب منهم وترتاح لحضورهم. هل تستطيع ان تتذكر اخر مرة ذهبت الى مسجد لتجد حضور هؤلاء الأطفال الذين يضفون معنى لهذه الحياة، السبب في غياب هذه الأرواح البريئة هو غياب اهل الحياة واولياء الله في تلك المساجد، وامتلائها فقط باهل الدنيا الذين تركوا حقائق الروح وحضروا بأجسادهم الدنيوية الى المساجد فقط.
بحر حياة الابد، او نهر الحياة، هي مراتب تصل لها الأرواح العلوية وتستمد منها طاقة تشع في كل مكان محيط بهذه الروح المتصلة بهذا الجسد، أولياء الله بأرواحهم العلوية التي اغترفت من نبع الحياة لديهم قدرة احياء القلوب المحيطة بهم أينما ذهبوا لأنهم متصلين بمصدر الحياة الأصلي وبحرها الروحاني العلوي ويستمدون منه ويمدون المحيطين بهم فينتعشون وتحيي قلوبهم.
يَا مُحْيِي الْقُلُوْبِ، سَلَّامْ عَلَيك يَا مَاحِي الذِّنُوْبِ ، سَلَّامْ عَلَيك
ان القلوب المحتضرة هي القلوب التي تفقد شغف الحياة الحقيقية، انها القلوب التي تفقد ايمانها باستمرار حتى يأتي أحد أولياء الله وبحضوره وهالته واشعاعاته الروحانية القلبية يمتد نور شعشعاني رقيق الى هذه القلوب الرثة، سرعان ما يشعر صاحب القلب المحتضر روحيا بأن هنالك شيء مختلف بعد ان التقيت هذا الشخص، هنالك معنى اخر للحياة.
ان أولياء الله ليسوا فارغين ولا يعتمدون او يستفيدون منك، بل انت المستفيد منهم والممتلئ من انوراهم. ان الله عز وجل قد اعز هذه الامة بأن جعلها تتبع النبي سيدنا محمد ﷺ فنالت الشرف الباهر والعزة العظمى ولجميع من امن بالله وبالرسول ﷺ فله من هذا الحظ.
يقول الله عز وجل في سورة المنافقون اية رقم ٨:
﴾وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ… ﴿٨
العزة والتشريف التي كرم الله عز وجل بها امة المؤمنين والتابعين للنبي ﷺ ما زالت تجري الى الان وتفيض على أرواح أولياء الله من بحر حياة الخلود الابدي، وتنهال عليهم انوار تجليات القيوم لتكسوا ارواحهم قوة وقدرة تحرك بها أجسادهم
وعوالمهم المادية، فهم يحسون ويشعرون بأرواحهم وليست بغرائزهم او حيوانية النفس الدنيوية، يتحركون ويتقدمون بخطواتهم المخططة لهم مسبقا من قبل ارواحهم، يتنفسون ويبصرون بأرواحهم.
هؤلاء الاولياء الواصلين يتنعمون ويأكلون من حقائق وغذاء اهل الجنة، ليس من مصادر دنيوية سفلية. لهذا السبب تسمع عبارات تتردد كل مع أولياء الله؟ يا ترى لماذا؟ لان طعامهم من الله عز وجل ونعمته عليهم هو من عطاء الجنة. وهكذا أيضا اشرب مع أولياء الله، صلي مع أولياء الله، اذكر الله بحضور أولياء الله، أحبهم ولا تقف عند مقامك البسيط، وتذوق من معارفهم ومن انوار تجليات الحي القيوم عليهم
من رمزية حضور سيدنا الخضر عليه السلام إعادة السمكة الميتة الى الحياة
كل ما حول أولياء الله يتنعم من اشعاعات الحي القيوم وهكذا تدب الحياة في كل شيء محيط بهم. عندما أراد النبي موسى عليه السلام الالتقاء بواحد من هؤلاء الاولياء، اعلمه الله تعالى بان مكان اللقاء بهذا الولي عندما تعود السمكة الميتة الى الحياة. علينا ان ندرك ان لهذا الرمز معنى ان الروح عندما تفقد الامل تبدأ تموت مثل السمكة، ولن ترجع للحياة الا إذا رجعت لبحرها الابدي.
قال الله عز وجل في سورة الكهف مخبرا عن هذا اللقاء الآية ٦٢ و٦٣
﴾فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢﴾ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴿٦٣
عندما أراد موسى عليه السلام اللقاء بسيدنا الخضر عليه السلام، اين كان مكان اللقاء؟ لقد جاع موسى عليه السلام من طول السفر فتذكر ان معه سمكة يريد ان يتغذى عليها، فسأل فتاه يوشع بن نون عليه السلام، فقال له ان السمكة الميتة قد عادت للحياة وهربت الى البحر، فعلم موسى عليه السلام ان هذا هو مكان اللقاء فرجع فوجد أحد هؤلاء الاولياء سيدنا الخضر وهو عبد علمه الله عز وجل من لدنه علما واعطاه رحمه.
﴾فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥
نعم ان هؤلاء هم عباد الله ويتلقون من انوار الحي القيوم وتتغذى ارواحهم بها. ان علينا ان نعمل جهدا ان يكون الحق الذي نريده هو الحق الذي أراده الله عز وجل. إذا وصلنا لهذا الحق ستنقلب حياتنا الدنيوية من مجرد حياة روتينية باطلة الى حياة روحية تعمل بأنوار الحق وباسم الحي القيوم فيصبح الانطلاق من الروح الى الجسد وليس العكس، وبهذه الطريقة فقط نستطيع ان نبلغ ما أعده الله عز وجل لنا من كمالات وغايات خلقنا لأجلها
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. بحرمة محمد المصطفى، وبسر سر سورة الفاتحة
شكر خاص لكل المترجمين للمساعدة بالترجمة والصحبة
التاريخ الفعلي للصحبة: ٢١ يناير ٢٠١٨ ميلادي
مقالات ذات تشابه
- Who is on Haqq – Truth?
- Mystical Number 108 Kawthar, HAQ and Reality of Sacrifice
- Only Very Righteous and Very Evil People Will Survive End Times
- All Creation from The Reality of Muhammadun Rasulullah (s)
من فضلك ساهم في دعمنا في نشر المعارف السماوية وعلوم الأولياء وتبرع الان
جميع الحقوق محفوظة للمركز النقشبندي الإسلامي في فانكوفر، حقوق الطبع والنقل والنشر لسنة ٢٠٢٢ محفوظة للكاتب والمركز