
المحيط النوراني لحقيقة محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
من الحقائق الكشفية لمولانا الشيخ هشام القباني بتعليم وتقديم الشيخ سيد نورجان ميراحمدي
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
نسأل الله عز وجل ان يلبسنا من انوار بحار رحمته ومحبته. الحمد لله، اما بعد إذا لم نعلم من أين اتينا فلن نعلم ابدأ الي أين وجهة نمضي في هذه الحياة. دائما نذكر القارئين انهم في حال لم يفهموا امر او جزئية من هذه التعاليم والحقائق عليهم ان يتحلوا بالصبر فسوف تكشف لهم الأمور والحقائق كما هي وهذا يحصل تدريجيا عندما تستنير النفس وتتصل بروح الفهم يحصل الكشف والفهم.
الام هي الوسيلة التي من خلالها أتينا الى هذه الارض
لقد اتينا الى هذه الحياة من خلال امهاتنا وفهمنا ان كل شيء في هذا العالم انما يحدث من خلال واسطة للخلق او سبب ومصدر الخلق. هذه العبارة هامة لان أولياء الله يريدون ان نجعل عقولنا في ان تبدأ بالتفكير والتوجه الى القلب وهو الوسيلة والاداة للرجوع الى المصدر تماما مثل ما اننا قد اتينا الى هذا العالم من امهاتنا. هذه الحقيقة واضح للجميع لا يحتاج أحد ان يتهم الاخر “بالشرك”، وان يدعى ” نحن قد اتينا من الله فحسب”. نعم هذا بالمجمل العام صحيح نحن اتينا من الله عز وجل ولكن كيف؟ ما السبب ما الواسطة التي تجلت فيها اردة الله عز وجل لنظهر في العالم، وهذا تماما مثل ما يحدث عند قدومنا لهذا العالم الارضي من رحم امهاتنا وهذه هي الواسطة او الوسيلة للحدوث الخلق. هنالك وسيلة او السبب او الواسطة من خلالها قدمنا الى هذه الأرض.
الحقائق الكشفية من العلوم الإلهية هي من العلم الذي يحصل للروح، هذه الروح قدسية بطبيعتها موحدة توحيد تحقيقي شهودي لكلمتي الشهادتين لا إله الا الله محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. لهذا عندما نستوعب عمق هذه الحقيقة اننا قد اتينا من خلال وسائط وأسباب وظهرنا في هذا العالم الأرضي وابائنا وامهاتنا هم الأسباب لهذا الحدث المخلوق وهو قدومنا الى هذا العالم. وبالتأكيد أي انسان بتفكير مستقيم يدرك ان هذا لا شيء فيه من الشرك او ادعاء الشراكة للخلق مع الله تعالى الله وحاشاه بل هي محاولة لوصف الوسائط السببية الاقتراني التي يتم بها الخلق، ان هذا ليس له أي تضمين او دخل في اخلاص العبادة لله وجل وقصده بها. “من عرف نفسه فقد عرف ربه” من المهم جدا ان نفهم ما المقصود بالربوبية على هذه النفس وهذا واضح كل ما يتحكم ويسيطر على النفس الانسانية هو رب او مربي لها.
قال رسول الله ﷺ سيدنا محمد: ” مَنْ عَرَفَ نَفْسَهْ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ”
مَنْ عَرَفَ نَفْسَهْ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ
طريق المعرفة والاستبصار الروحي للحقائق الكونية هي السعي الدؤوب للوصول الى حقيقة من اين قد اتيت أصل ذاتي وروحي وهذه سوف يحدد الجواب الى اين سوف اعود. من الواضح اننا قد اتينا من مصدر لقد اتينا من حقيقة ومن تلك الحقيقة سوف نعود واليه راجعون.
﴿فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ سورة يس آية ٨٣.
الله عز وجل يصف في سورة ياسين ان سبحانيته تعالى (أي سبحات وجهه) وهو الحجاب النوراني التي تمد عالم الملكوت النوراني الذي منه ينبثق كل الخلق وهذه السبحانيه الحجابية النورانية هي التي سوف نعود اليها.
هذا يعني اننا قد اتينا من عالم الملكوت وهو عالم النور الأعلى واليه سوف ننتهي ونعود.
الان يتوجب ان نكون حذرين في ان نستبق الاستنتاج ونقول مثلا بما اننا من عالم الملكوت وعالم الملكوت من نور الله او سبحانية وجهه عز وجل اذن نحن قد اتينا من نور الله عز وجل، هذا الاستنتاج سريع وخاطئ لأنه بهذا الفهم فإننا نحاول ان نشارك الله عز وجل في مكان او مادة نورانية وسبحانه وحاشاه ان يكون له شريك او مثيل او ند وهنالك بينونة واضحة بين الخالق والمخلوق. الله عز وجل نفهم انه هو القدرة المحركة لكل شيء في هذا الوجود يعني ان لا إله الا الله هو الواحد الاحد ومصدر القدرة المحركة لعالم الملكوت المخلوق النوراني.
اننا كمخلوقات عائدون الى محيط الحقيقة المحمدية محمد رسول الله
ليس هنالك أي اتحاد مع حقيقة لا إله الا الله لأننا ببساطة كمخلوقات لا نعود الى هنالك لا مشاركة مع الله عز وجل. وانما نعود كمخلوقات الى وحدانية المحيط المحمدي النوراني الذي هو الشهادة الثانية محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). هذا الفهم للتوحيد المبني على الشهادتين لا إله الا الله محمد رسول الله هو في طريق اهل المعرفة هام جدا، ليس لأننا نقوم بالتكلم عن شخصية النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعن حقائقه فقط، بل اننا نقوم بالتحدث عن حقائق ذواتنا لأننا كلنا أرواح وذوات نجتمع ونتوحد في المحيط الروح الكلي المحمدي. الله عز وجل مصدر القدرة المحركة للمحيط المحمدي الجامع لكل الأرواح يخبرنا عن هذه الحقيقة ” واعلموا ان فيكم رسول الله”، هذا يعني ان كل ذات إنسانية مخلوقة “فيها” لطيفة محمدية نورانية تستمد توالي نورانيتها “من خلال” اتصالها بالمحيط المحمدي الكلي الأعظم الذي بدوره يستمد قدرته وحركته من الله عز وجل.
يقول الله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 151
حديث الصحابي جابر رضي الله عنه عندما سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “يا سيدي يا رسول الله ما اول ما خلق الله عز وجل؟” انه حديث طويل يتكلم فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) ” اول ما خلق نوري „.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي ” أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُوْرِ نَبِيِّكَ يَا جَابِرْ “
هذا يعني ان اول شيء خلقه الله عز وجل نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى له دلالة في الاية رقم ٢٨٥ من سورة البقرة (امن الرسول بما انزل اليه من ربه) حيث ان كلمة الرسول هنا ترمز الى الحقيقة للنورانية المحمدية كأول مخلوق ومنها كان الاستمداد لباقي انبياء الله جميعا حيث أمنوا به، يعني ان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بروحانيته ونوره كأول مخلوق هو اول متلقي عن الله عز وجل ومن ثم يترشح من انواره السابقة للزمان والمكان الى انوار أرواح الأنبياء وهم المؤمنون به ومن خلاله عرفوا الله عز وجل.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )285
من خلال كشوفات أولياء الله بعين البصيرة الروحية ومشاهدتهم لهذه الحقيقة يخبرونا عن ان هنالك المحيط النوراني الهائل حيث تتجمع أرواح الأنبياء وأنور هذه الارواح لتشكل قلب هذا المحيط النوري الفائق لعالم المادة والطبيعة المتجاوز بالزمان والمكان والمتسامي عنهما، لذلك يسمى هذا المحيط او البحر بحر القدرة النوراني. هذه الأرواح للأنبياء التي بجمعيتها تشكل القلب لبحر القدرة هي أرواح ازلية أي انها في علم الله الازلي تم اختيارها لهذه المهمة وتم اعطائهم هذه المرتبة لحقيقة ارواحهم في هذا الوجود. بما ان القلب هو المحرك لعالم الملكوت او عالم النور فان القلب هو المضخة الروحية لهذا العالم الروحي النوراني المليئة بالقدرة والطاقة والفائق المتجاوز للزمكان. علينا ان نفهم جيدا لمن يريد طريق المعرفة ان لكل شيء هنالك مصدر طاقة وقدرة تزوده بإمداد وإمكانية البقاء وإذا تتبعنا كل الأشياء وتتبعنا سلسلة التزويد الأمداد للقدرة (المنتهي الى بحر القدرة الروحي) التي تبقيها على قيد الحياة تماما مثل ما نقوم بتتبع الجداول الخارجة من النهر الرئيس ونتبع هذا النهر الرئيسي ليصب نهاية في هذا المحيط الكلي الجامع هنالك أيضا قلب لهذا المحيط وهو المتخلص في انوار وحقائق أرواح الأنبياء والرسل مجتمعة. وهذا مهم لكل سالك لأنه عندما تحب بصدق أي من هؤلاء الأنبياء سوف تصل الى قلب هذا البحر النوري.
هذه يعني أنك إذا أحببت سيدنا عيسى عليه السلام سوف تجد من خلال هذه الحب الطريق الموصل الى سيدنا عيسى عليه السلام حيث قال مرة لأحدى حوارييه: (انا الطريق) أي انه أشار الى روحه (بتلك الانا النبوية المطهرة) ولم يشير الى فقط الى جسده. هذا يعني انه عندما تقوم باتباع احكام الشريعة والقوانين الالهية الخاصة بضبط الجانب المادي من الانسان من اجل تجهيز انائه لاستقبال الفيوضات العلوية من الحقائق. النبي صلى الله عليه وسلم قد اتى مخبرا عن هذه الحقيقة الوجودية ان المرء سوف يكون مع من يحب لان هذا الحب سوف يتأخى في روحه ويجعله الطريق والطاقة الدافعة الموصل للمحبوب لينتهي به الامر في هذا المحيط.
يقول سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في الحديث النبوي: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب).
هذا يعني ان للحب طاقة جاذبة وجامعة حقيقية تؤثر في المادة فتغيرها وتعيد تشكيلها لان المادة تحكم من عالم فوق المادة وهو عالم الملكوت الغيبي وهو أيضا عالم النور الأعلى، هذا العالم متسامي وفائق ومتعالي على الوقت والزمان والمكان لأنه عالم غير محكوم ومقيد بهذه القوانين الفيزيائية الصارمة. ان للحب رابطة قوية ولذلك الحب لا يمكن ان يفهم بالرأس والتخطيط والحسابات المادية لان الحب هو نور وطاقة تتجلى من خلال الروح على قلب الانسان فتجذبه لمحبوبه أينما كان وفي أي زمان ومكان وظرف.
يعلموننا أولياء الله ان النور والحب يشكلان رابطة تجذب الروح إليهم ويكون المدخل الى ذلك من باب القلب لا العقل ولذلك القلب يعتبر الأداة المعرفية الحصرية لتلك الاسرار والعلوم والطاقات والقدرات وتعاليم أولياء الله في هذه الطريقة المباركة تقوم بتعليم لطائف القلب النوراني للإنسان المؤثر على القلب المادي والحاكم للجسد. سيدنا ادم (عليه السلام) كحقيقة نورانية يقوم بتعليمنا انه إذا أردنا القدوم الى عالم الملكوت وتلك الحقائق فعلينا اولا ان نتوجه من خلال قلوبنا حيث تجتمع تلك الحقائق والصحبة، حيث ان الأنبياء هم في هذا الديون يجتمعون باستمرار لان ارواحهم وانوارهم تجتمع في هذا المحيط النوري الفائق عن العالم المادي المؤثر فيه. يعلمنا النبي ادم عليه السلام من خلال حقيقته كأصل الانسان المكرم ان الصحبة لهؤلاء الأنبياء والمدخل لهذه الكرامة والمعرفة بالله هي من خلال القلب وان لهذا القلب لطائف (نقاط طاقة موزعة على الجسد وبمحاذة القلب المادي أيضا وهي نقاط شديدة اللطافة لدرجة انها لا تلاحظ وترى الا بتركيز عالي جدا)، هذه اللطائف هي بمثابة خطوط امداد برزخيه من عالم القدرة وبحر المحيط النوراني للطاقة الهائل المتجاوز للمادة الى عالم الجسد المادي ومن خلالها يمكن فهم حقيقة القلب والروح الإنساني. وبهذا نستطيع ان نفهم الحكمة والحقيقة الثابتة لروح سيدنا ادم عليه السلام ونوره الذي يهدينا للخروج ظلمات المادة الفيزيائية متجاوزين ذلك الى المعرفة السماوية النورانية حيث شكل هذا النبي عليه السلام الحافظ والحارس لتلك المعرفة.
سيدنا نوح (عليه السلام) يمثل المستوى الثاني من مقامات المعرفة القلبية حيث يرمز لحقيقته بحقيقة الروح وبصناعة سفينة الحقائق النورانية، سيدنا إبراهيم (عليه السلام) وسيدنا عيسى (عليه السلام) وسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) جميع هؤلاء الأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين لهم كما تم ذكره في مقالات مختلفة علاقة واضحة بمقامات ومستويات لطائف القلب النوراني للإنسان الكامل.
(للمزيد من المعلومات حول مستويات القلب المعرفي، الرجاء البحث في موقعنا عن مواضيع مستويات القلب ـ لطائف القلب)
المخلوق الأول بين كل المخلوقات هو النور المحمدي
المقصود من هذه التعاليم ان نفهم عن ذواتنا من اين اتينا، فاذا لم نفهم من اين اتينا لن نفهم الى اين سنعود. طريق المعرفة والحقائق هي الطريق الذي يمكننا من خلالها ان نفهم المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن اول الخلق ” اول ما خلق الله نوري “. هذا بدوره سوف يقودنا الى ان ندرك ان اول ما خلق الله هو نور النبوة وحقيقة النور المحمدي صلى الله عليه وسلم. الأديان والعقائد السماوية كل لديه نور نبيه الخاص بالطريق الموصل لله عز وجل ولكن قبل الوصل هنالك مركز كل هذه الانوار وهي حقيقة النبي الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو مركز شمس انوار الأنبياء مثل الاشعة المنطلقة من هذا المركز الذي يتجلى عليه الله عز وجل مباشرة ومن خلاله ينبثق خلق كل شيء بعد المرور بهذا المركز.
النبي (صلى الله عليه وسلم) يخبرنا عن حقيقة عالم الملكوت والمملكة الإلهية وارتباطها بالحقيقة المحمدية لنور النبي (صلى الله عليه وسلم) ” نوري قد خلق قبل العرش وقبل الكعبة وقبل الملائكة”. ان كل شيء أصله نور وكل الانوار أصله من النور الأول النور المحمدي. الكعبة مخلوقة من (نور محمد صلى الله عليه وسلم) والملائكة الذي يحملون الميم في تسميتهم، حيث يخبرنا الله عز وجل بشكل غير مباشر عن ارتباط الملائكة بالحقيقة النورانية المحمدية وحرف الميم حيث ان الملائكة ترتدي العمائم كما ورد في الاثار والاخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمائم النورانية هي حاملات النور على شكل حرف الميم م مربوطة حول الرأس ولها ذيل للأسفل على الظهر. لان الملائكة قد خلقها الله عز وجل لتنفذ أوامره التي تنزل لها من خلال حضرة روح الرسول صلى الله عليه وسلم الازلية الأولية النورانية. يقول النبي متحدثا عن حقيقة نوره (صلى الله عليه وسلم).” كنت نبي وادام بين الماء والطين”.
كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ
هذا يعني ان حقيقة الرسالة هي تمثيل الإرادة الإلهية لله عز وجل وتقديمها للخلق من خلال الرسول الذي تم خلق نوره قبل كل شيء ازلا. ” الملائكة من نوري، يأخذون من اوامري ويتنزلون الى الخلق”، نحن نتكلم عن الحقيقة الروحانية للرسول ونوره وليس الجسد تذكيرا.
هذا يعني عندما نبدأ في تتبع وفهم ان الملائكة كمخلوقات نورانية هي تستمد انوارها من حقيقة النور النبوي (صلى الله عليه وسلم)، والكعبة المشرفة هي أيضا من حقيقة النور المحمدي (صلى الله عليه وسلم)، البيت المعمور هو من تجليات انوار الحقيقة النبوية (صلى الله عليه وسلم)، عرش الرحمن هو من انوار روحانية النبي (صلى الله عليه وسلم)، انوار السماوات كافة من نور النبي (صلى الله عليه وسلم). وبعد كل هذا يأتي اشخاص فاقدين لعقولهم ليناقشوا: هل المولد بدعة ام حلال، هل المولد (الاحتفال بقدوم هذا النبي صلى الله عليه وسلم الى الأرض وميلاده) يجوز ام لا؟ من الواضح جدا ان هؤلاء الفئة من الناس قد فقدوا عقولهم.
الجنة تحت اقدام الأمهات، ماذا يوجد تحت قدم النبي (صلى الله عليه وسلم)؟
الان نبدأ في إدراك أهمية وقدر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) لان أهمية الصلة والقربة لحضرته وانواره هي المفتاح لفهم أنفسنا وذواتنا وحقيقة ارواحنا: ومن خلال ذلك نستطيع ان نجيب على التساؤل من اين اتيت يا ربي؟ الله عز وجل يسأل الانسان لماذا امرتك أيها الانسان بان تحترم أمك وان تبرها؟ هل يمكنك ان تكون ابن ادم وانسان إذا لم تقم باحترام أمك؟ لان الام هي الوسيلة التي خصصها الله وهو مصدر الخلق حيث كانت تحملك في بطنها للقدوم على هذه الأرض. إذا لم يكن لديك وسيلة في هذه الحياة فإنك ابتر، أي أنك انسان منقطع من صلة الرحمة بمصدر الخلق وهو الله تعالى. الله عز وجل قد أخبرنا ان الجنة تحت اقدام الأمهات. ولأهمية هذه المركبة والوسيلة التي سوف تحملك الى هذه الأرض. ماذا تعتقد عن مصدر روحك وروحي؟
بما اننا قد أتت اروحنا من مصدر الطاقة والنور الروحي الأول وهو نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي خلقه الله كأول نور ليمد باقي الخلق، وأيضا إذا عرفنا ان الجنة تحت اقدام الأمهات، الان علينا ان نسأل أنفسنا ما الذي سنجده تحت قدمي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ اننا نتكلم عن روحانية انواره هنا وبهذا فإننا سوف نجد كل الحقائق عن كل شيء يمكن تصوره من خلال أداة المعرفة وهي قلوبنا (التي تخضع تحت قدمي النور المحمدي). علينا ان ندرك ان العبادة لله عز وجل (وحده): الدعاء والصلاة كليهما لله عز وجل وحده فقط. ولكن نحن نتكلم هنا عن حقائق كونية قد كشفت للأولياء الله الذي فهموا أصل العالم وكيف يحكم الله عز وجل عوالمه الغيبية لملكوتيه الى المظهر الأخير المتجلي للجميع وهو عالم الملك، ونحن هنا انما نتكلم عن رتبة روح النبي محمد ونورانيته في الوجود المخلوق، أي نحن لا نستطيع إدراك الله ولكن نتفكر في أعظم خلقه وهو نور نبيه ليساعدنا في طريق المعرفة، لأننا نريد ان نعرف من يحكمنا من يربينا في هذا العالم المخلوق يا ربي. ونحن لا يمكن ان نقترب من الله عز وجل بالمعنى الحرفي لأننا مخلوقين وهو خالق ولا نسبة بين الخالق والمخلوق لأنه لا شريك له.
الباحثين عن الحق يبحثون عن مصدر النور، تماما مثل الايتام الذين في محاولة بحث مستمر عن أهلهم.
عندما نرى الأطفال الايتام في التلفاز نحزن ونتألم على هؤلاء الأطفال الذين فقدوا أهلهم اثناء الولادة. برغم من انهم قد ينجزوا الكثير في هذه الحياة، الا ان شعور الخواء والفراغ الداخلي لعدم قدرتهم معرفة أهلهم ستكون باقية في أعماق وجدانهم. ويتسألون من تخلى عني ولماذا تخلى عني بسبب او بدون سبب؟ هنالك في وجودنا ثقب في أعماق وجداننا لأننا كالأيتام في هذه الأرض إذا لم نعرف من اين والى اين. هل لك ان تتخيل ما شعور وما دافع السالك طريق الحقيقة والباحث عنها؟ يا ربي من اين اتيت؟ يا ربي من اعطاني هذا النور؟ لمن أدين بهذا النور؟ وكيف لي ان ارجع الى أصل هذا النور؟
رفيق روحك هو حقيقة ذاتك وليست زوجتك
أولياء الله يعلموننا ان نفكر قليلا في عمق الحقائق عندما يتحدث النبي (صلى الله عليه وسلم) واصفا: ان الكعبة والملائكة هي من نوري وكل شيء مخلوق من نوري، وانت مخلوق من نوري، لأنه ببساطة اول نور مخلوق ومنه انخلق كل خير. وعندما نسترجع الحقائق الأشياء ومصدر طاقتها والمحرك لهياكلها سوف نجد أرواح وهذه الأرواح مثل القطرات تتجمع وتشكل محيط من كل هذه القطرات هذا المحيط هو النور المحمدي لكل الأرواح. نحن الان لا نتكلم عن عالم الشكل الدنيوي بل نتكلم عن روح العالم المحرك له وهو تجمع قطرة من الماء وقطرة من الماء سوف يشكلون بحر ومحيط كبير. وكذلك الأرواح ونعلم ان الأرواح هي المحركة للأشباح والابدان والاجسام والاشكال. في هذا المحيط لا تمايز لهذه الأرواح لأنها فانية في الروح الكل وفي وحدانية هذه الحقيقة الكلية الجامعة لكل شيء. الان إذا فهمنا هذه الإشارات نستطيع ان ندرك ما المقصود بالنفس الواحدة الذي جعل الله منها زوجها هذه الآية في سورة الزمر تتكلم عن حقيقة كونية وجودية. الكثير من التفسيرات تذهب بشكل خاطئ الى تقييد المعنى في ان الزواج المتعارف عليها هذه زوجتي وهي رفيقة نفسي او رفيقة روحي.
يقول الله تعالى: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا).
حقيقة نفسك وحقيقة ذاتك وحقيقة روحك من اين أتت؟ هي المعنى المطلوب من رفيق الروح او زوج الذات. للجواب عن هذا السؤال يجب ان ندرك اننا لم نقدم من الله عز وجل بطريقة مباشرة وبخلق فردي مباشر. لان الله عز وجل هو الخالق الذي لا يشترك مع خلقه لا في زمان ولا مكان ولا أي شيء يجعل بينه وبين خلقه أي نسبة لأنه سبحان ببساطة ليس مخلوق ليس كمثله شيء. عندما نبدأ في الذكر الأول لا إله الا الله معنى هذا الذكر ان لا شيء موجود على الحقيقة الا الله ويتوجب ان نفني أنفسنا لانا أيضا وجودنا وهمي متوهم في وجود ذات المطلق عز وجل لا شريك. فكيف للمخلوق ان يتجرأ ويفكر انه قد اتى من ذات المطلق سبحانه وتعالى او ان يكون شبيه له او ان يتنفس في مكان وزمان معه ويأكل معه تعالى الله. اذن هنالك بينونة بين الخالق والمخلوق ولا اجتماع ابدأ في أي حال من الأحوال لان الله متعال متسامي على المخلوقات الله عز وجل هو الذي خلق الحي والحياة الله عز وجل هو الذي خلق الموت من اجل ان يختبرنا. اما ذات الله عز وجل سبحانه لا يمكن ان تعلم الا انها موجودة ومتعالية لا يمكن فهم أي شيء عن الذات الإلهية المحضة والكنه سبحانه.
الصفات الإلهية هي وصف الالوهة في عالم الملكوت
الله (عز وجل) ليس حتى صفاته من ناحية الذات المحضة، الصفات الحسنى هي عبارة عن وصف لحقائق من عالم المملكة الإلهية العلوية وهي الملك المحمدي النوري وحقيقة محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الشهادة الثانية. علينا ان نميز بشكل واضح ومفهوم ان الذات الإلهية لا يمكن إدراك الا وجودها وتعاليها وغناها عن العالمين وان المبحث الذي نتخلق فيه ونبحث عن تجليات الصفات فيه هو الالوهة في عالم الملكوت وهو حقيقة ان يكون العبد على مراد الله وهو التشابه الأخلاقي لرسول الله من خلال اتباع الحقيقة انوار الحقيقة المحمدية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي منها نستمد القدرة والعلم من اجل التخلق في هذه الاخلاق السماوية. اذن عندما نقوم في الذكر والنشيد بان نقول مثلا اللهُ حي، اللهٌ حي، اللهُ حي هذا لا يعني ان ذات الله عز وجل يمكن ان توصف بالحياة، لان شأن الحياة وظرفها وعرضها هو شيء قد خلقها الله سبحانه وهذه الشؤون من حياة او موت تجري على المخلوقات ولا تجري احكامها على ذات الخالق تعالى الله عن ذلك. وهذه الاحكام والصفات انما هي أيضا مخلوقة من اجل ان يتعلق بأحكامها المخلوقات فمثلا الله عز وجل كذات لا هو حي ولا هو ميت بل نقول الله عز وجل ذاته موجودة وتعلم وكنه ذاته منهي عن التفكر به ولا يعلم، اما الصفات الحسنى والاسماء فهذه للتعلق من قبل المخلوقات لإظهار احاكمها عليهم. يعني ان الله عز وجل حي انه خلق الحياة ليتخبر مخلوقاته بها فذكرنا للحي لاستنزال أثر هذه الصفة على وجودنا ونحن مختبرون في ذلك ايضا، وانه مميت انه خلق الموت ليختبر مخلوقاته به وذكر المميت لاستنزال إثر هذه الصفة على وجودنا واماتة الباطل والأخلاق السيئة فينا ونحن مختبرون في ذلك.
هذا يعني ان كل صفة من صفات الالوهة انما هي وصف او اتجاه اشاري الى محيط الخلق. يعني إذا اردت ان تعلم رحمة الله عز وجل فستجدها في هذا المحيط الهائل من الخلق. من خلال رحمتي البست ارواحكم ومن خلال بركاتي النازلة على ارواحكم وكرمي بان اعطيتكم هذه الحياة. اما صفة الخلق بالمعنى الإخراج من العدم لا شيء الى الوجود المحسوس لدى المخلوق فهذه صفة الخالق المطلق وهي لله تعالى عز وجل متفردا بها لا ينازعه أحد فيها لأنه خلقه كلام وافنائه كلام ولا يحتاج لشيء وكل شيء يحتاجه ومفتقر اليه وهو خالق كل شيء.
الان نستطيع ان ندرك حقيقة أهمية الفهم في طريقة المعرفة ولماذا يتحدث النبي (صلى الله عليه وسلم) قائلا” من عرف نفسه فقد عرف ربه” التحدث عن الربوبية هو التحدث عمن يتحكم بك ومن يحكم نفسك، لان الذي يحكم نفسك هو الذي يطلق عليه اسم رب، عرف نفسه تتوازى مع عرف ربه ولم يتكلم عن الاسم عرف الله.
في الحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم “من عرف نفسه فقد عرف ربه”
لان الربوبية هي ما يحكم النفس فاذا كان الانسان تحكمه شهواته وتسيطر على كل عالمه كيف يمكننا ان نطلق عليه ان ربه الله وان كان الحقيقة العامة الكلية على السنة الانبياء صحيحة هذه العبارة ولكنها في حق هذا الانسان المسرف على نفسه فشهوته هي ربه وهواه هو ربه. الان من يعرف نفسه ومن يحكمها سوف يعلم من هو ربه الفعلي، نحن نتكلم اذن عن النفس الان اذا انمحقت النفس واختفت وانهارت كل الاخلاق السيئة التي لا يحبها الله وكما أوضح مراد الله وهو رسوله المظهر لجميع الكمالات الخلقية على ما يحبه الله الحق سبحانه، فحينئذ سوف يكون ربه الله عز وجل تحقيقا وفعلا وليس فقط ادعاء.
الله عز وجل يسمح لكل الساعين الى طريق المعرفة المخلصين بأن يفنوا عن انفسهم ويفنوا انفسهم الفناء النفسي لكل الصفات المذمومة شرعا لكي يتحلوا بالأخلاق النبوية وبهذا يعودون الى حالة القلب المتصلة بالقلب النبوي والنور الأول المخلوق من الله عز وجل مباشرة حيث يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ” انا من الله (عز وجل) وبني ادم من نوري“.
فقط الانسان هو من يستطيع العروج السماوي بقلبه
الله (عز وجل) اعطانا سر إلهي من خلال قلوبنا، وهو انه سبحانه قد جعل هذا اللطيفة الإلهية هي التي تميز ابن ادم بانه المخلوق الوحيد القادر على تتبع هذه الحقائق من خلال هذا القلب الحامل لتلك النفخة.
الغوريلا لا يستطيع العروج الروحي ولا الزرافة ولا حتى القرود لا يستطيعون فعل ذلك. الله عز وجل يخبرنا عن هذه الكرامة ” ولقد كرمنا بني ادم”.
يقول الله تعالى في سورة الاسراء الآية ٧٠: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)
لقد شرفنا الله بكرامة هائلة كبني ادم الا وهو اعطائنا القلب. قلب بني ادم هو الأداة المعرفية المهيئة من قبل الله عز وجل للإنسان من اجل ان يعرج الى السماوات العلى. عندما تبدأ السلوك المعرفي وتبدأ في استخدام القلب المعرفي سوف تجد اصلك الذي اتيت منه: لقد اتينا من عالم النور. في عالم النور ليس مثل عالم الشكل والملك المادي الدنيوي الذي يكون فيه التفرقة بناءا على الحالة والوضعية الاجتماعية. عالم النور ليس لديه ذلك الشكل هذا يعني قطرة من هنا وقطرة من هناك يلتحمان ويكونان قطرة واحدة لا تمايز وفرقة، بليون قطرة مجتمعين يكوّنون قطرة واحدة.
المعراج هو عملية العودة الى قطرة الروح التي فينا، يا ربي خذني الى المكان التي تجتمع فيه كل هذه القطرات النورانية وترجع في معراجها الى المحيط الكلي لهذه القطرات النورانية واجعلني يا ربي هائما في حب تلك الحقيقة. كلما اكثرت من الصلاة على الأنبياء والصلاة على النبي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) سوف تبدأ رابطة بالتشكل وتعمل على جذبك الى تلك الحقيقة وترفع مستواك لتهيئك لحصول هذا التلاقي. الصلاة على النبي لها هذه القدرة في التسليك ورفع الحالة الروحية لمن يقوم بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وكلما يرتفع في حالته الروحية كلما يشتد قوته على غلبة نفسه وتدمير صفاته السيئة التي تحكم وتسيطر على جسده الفزيائية المادي. علينا ان نعلم جيدا ان كل ما له علاقة بالمادة الفيزيائية هو مؤقت وفان وكل ما نبحث عنه هو تلك الحقائق التي هي بمثابة كل شيء أصلي وحقيقي. يا ربي ارجعني الى محيط محمد رسول الله وانوار روحانيته.
حقيقة الكلمة عند مجمع البحرين والتقاء النهرين
هنالك حيث أراد النبي موسى الوصول، حيث ان القلم الأعلى للقدر كان يكتب لا إله الا الله لمدة سبعين ألف سنة وبعد ذلك بدأ بكتابة محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). بعد ذلك بدأ القلم في كتابة بسم الله الرحمن الرحيم. هذا يعني قبل ان تظهر قصة الخلق من سر الكلمة بسم الله الرحمن الرحيم. كانت الحقيقة الازلية للشهادتين لا إله الا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
النبي موسى عليه السلام قال ” انه يريد ان يبلغ مكان التقاء هذين النهرين”.
يقول الله تعالى عن قصة النبي موسى في القران الكريم سورة الكهف الآية رقم٦٠: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
ولسان حال النبي موسى عليه السلام يقول يا ربي لا اريد من الحقيقة التي اعطيتني إياها ولقومي، بل اريد من الحقيقة السماوية لملكوتيه حيث يلتقي البحرين (النهرين) ويجتمعان. اريد ان أرى الحقائق من لا إله الا اللهُ (ه)(م) محمد رسول الله، الشيخ يضم يديه الاثنتين ليشير الى مكان التقاء البحرين. حيث أراد النبي موسى من المعرفة من اول نقطة علوية للخلق وهي التقاء الحقيقة المطلقة للوجود (لا إله الا الله) في الحقيقة المقيدة للوجود (محمد رسول الله) وهي اخر كلمة لفظة الله ُ من حرف الهاء (ـهُ مع الضمة تلفظ هو) في كلمة الله الى حرف الميم (م) كلمة محمد رسول الله. الهاء تشير الى علم الهداية الإلهية حين تلتقي بحرف الواو لتشكل لفظة (هو) ومن هم اهل الهو. الهو تصف من؟ الهو تصف محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). الهو مكان التقاء كلمتي الشهادتين.
النبي موسى أراد تلك الحقيقة فذهب حتى يبلغ قاصدا الطريق وكانت العلامة لهذا اللقاء مكان رجوع السمكة الميتة الى الحياة.
يقول الله تعالى: ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) سورة الكهف الآية ٦٣
السمكة قد عادت الى الحياة لان النبي موسى كان موعده مع اهل حضر الهو وهو الخضر عليه السلام وهؤلاء هم اهل الحياة، لأنهم يستطيعون إعادة القلب الميت الى الحياة مرة أخرى، ليس القلب المادي الصنوبري لأنه متى ما مات فقد عاد الى الله مباشرة. ولكنهم يريدون إعادة وصل القلب المادي المنقطع عن الاشعاع النوراني لهذه اللطيفة الإلهية المسماة بالقلب الروحي، وإعادة احيائه تتم بوصله بالنور المحمدي للنبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه أبو الأرواح ومحيط تجمعها النوراني. هذه الانوار التي تأتي من حضرة روحانية نور النبي (صلى الله عليه وسلم) تحيي الأرواح وتعطيها الامل لكل الأرواح التائهة والضائعة في هذه الحياة، حيث تبدأ التدفقات عليها لتلبسها من تلك الاشعاعات. مكان التقاء البحرين يرمز له بالسيف الذي اعطي لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو سيف ذو الفقار.
حقيقة سيف ذو الفقار ولام ألف (لا)
ذو الفقار هو السيف (لا) في كلمتي الشهادتين لا اله الا الله محمد رسول الله. لام الف (لا) حيث مقبض السيف هو نقطة اللام الف واجتماعها من خلال التقاء النصلين لهذا السيف.
هذا السيف اعطي لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) واعطاه الى الامام علي (عليه السلام) حيث وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) بان الامام (على عليه السلام) هو بابه (الباب).
يقول الحديث الشريف: (انا مدينة العلم وعلي بابه)
هذه الحقيقة التي تحمي كلمة الشهادتين لا إله الا الله محمد رسول الله. هذه الحقائق من خصائص عباد الرحمن والحارس لهذا الباب الامام علي (عليه السلام).
(من اجل فهم أعمق لهذه الرمزية الروحية والحقائق عن اللام ألف (حرف لا في كلمتي الشهادتين)، الرجاء متابعة المقال عن سر حرف اللام الف واسم الامام علي عليه السلام.
حقيقة اول ذكر هو ذكر التوحيد لا إله الا الله: يكون الذكر بهذه الالية ان نذكر كلمة (لا) تأتي من اعلى الرأس ويرمز هذا الحرف اللام الف ان لا نستخدم رأسنا ودماغنا في محاولة فهم حقائق التوحيد، وثم نقوم بذكر كلمة (اله) بالتوجه الى منطقة التقاء الصدر والكتف اليمين، وأخيرا نقوم بذكر اخر كلمة (الا الله) جالبين توجه رأسنا من اليمين الى اليسار في القلب تماما وبهذا نعنى ان في هذا القلب لا شيء الا الله.
لا
الا الله اله
كل شيء في هذا الخلق يحمد الله من خلال نور محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
عندما نبدأ بفهم الحقيقة المحمدية وأنها النور المخلوق الاول الذي من خلاله خلقت كل المخلوقات في هذا الكون من الملائكة المخلوقة من نور النبي (صلى الله عليه وسلم)، انوار الأنبياء كافة والمطر والمحيطات كافة وكل شيء يمكنك ان تتصور وجوده فهو مخلوق من نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو مادة الخلق النورانية الأولى. بهذا يسهل علينا فهم الآية الكريمة حيث يقول الله عز وجل (ان الله وملائكته يصلون على النبي) صلى الله عليه وسلم، حيث يدعوا الله المؤمنين كافة إذا أرادوا المشاركة في هذا المحفل الكوني الدائم بان يشاركوا في الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكي تنالهم البركة.
يقول الله تعالى (انَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) سورة الأحزاب الآية ٥٦
عند الصلاة على سيدنا محمد فنحن بذلك نذكر الله اولا حيث نقول ـ اللهم ـ وأيضا نذكر الحمد واسم سيدنا محمد مشتق منه اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى إله وسلم.
كل وردة تنموا من النور المحمدي كل قطرة وكل مطر يهطل من انوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل شجرة من النور المحمدي، كل نور روح مخلوقة من نور النبي صلى الله عليه وسلم. كل شيء في هذا الوجود المخلوق هو من حقيقة النور المحمدي اول نور خلقه الله عز وجل ومنه خلق كل خير ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصلاة الكاملة هي التي تكون على اهل بيته ال سيدنا محمد صيغة كاملة هي اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى ال سيدنا محمد وسلم.
مولد النبي هو الاحتفال بوجودنا في هذه الحياة
مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) هو ليس فقط احتفال بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بل أيضا هو احتفال في وجودنا لأننا جزء من هذا النور الروحي. في كل لحظة في كل مخلوق من هذا الكون هو في حالة صلاة دائمة على النبي (صلى الله عليه وسلم) حامدين للحضرة الإلهية: يا رب لقد اعطيتنا هذا الوجود من خلال المحيط النوراني لحقيقة هذا النبي محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). حيث انه إذا لم تخلق يا الله هذا المحيط لم يكن لنا وجود أصلا ولم نظهر من العدم. لذلك كل شيء يحمد ويشكر الله عز وجل من اجل هذا الوجود وهذه الحياة.
ندعو الله عز وجل ان يدخلنا في هذه الصلوات الوجودية للكائنات ويجعلنا ممن يحب بصدق حقيقة مصدر قدومنا ويفهم من اين قد اتينا. وبعد ان نعلم من اين قد اتينا سوف نبدأ بتهذيب الآداب السلوكية. وعندما نسأل الاستغفار تقول يا ربي يا الله استغفر الله استغفر الله استغفر الله. هنا يفهم اهل المعرفة الرد الإلهي ( يا عبادي هذا الاستغفار ليس لي، لا تعتقدوا انكم قد اذيتموني، انا ابعد من ان تؤذوني واعظم من ان تصلوا الي) ، اهل المعرفة يريدون معرفة حقيقة الاستغفار انهم قد اذوا روحانية النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الروح الكلي الجامع لكل هذه الأرواح.
الله خلق انوار الأنبياء وخلقتهم من نور محمد (صلى الله عليه وسلم)
الله عز وجل يعلمنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعطاكم من نوره المخلوق. واعطاكم شيء كالقطرة لهذا الوجود من نوره، فهو أبو الأرواح (احدى أسماء النبي محمد صلى الله عليه وسلم). ان الروح الذي تمتلكها هي كالمصباح هكذا يصفها مولانا الشيخ قدس سره كالزجاجة التي تحمل النور الذي منه كل الخلق وهي بمثابة الفانوس.
يقول الله تعالى في سورة النور: ( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ … يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) الاية ٣٥
من آيات القران قلنا يا نار كوني بردا وسلاما، الله عز وجل قل، كلمة قل الخطاب الإلهي هي بمثابة نار الهية لا شيء يمكن يلطفها ويبردها الا حقيقة النبي (صلى الله عليه وسلم).
عندما أراد الله ان يثني على هذا المصباح النوراني الذي يحمل النور لكل المخلوقات كان ثناء الله عز وجل بمثابة نار تتجلى ولكن صفة النار عندما اقتربت من هذا النور النبوي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابتدأت في الحمد والصلاة والثناء على النبي ونوره صلى الله عليه وسلم وخجلت من حقيقته النورانية ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتحولت الى (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما) حيث ان اللطافة والبرودة التي تأتي من انوار النبي تطلق القهر والنار الإلهية فتتكاثف وتصبح مثل القطرات التي تنحدر لتبني الوجود ويعاد خلقه بالرحمة واللطف. تماما مثل السيارة عندما يكون الجو في الخارج صقيع ومتجمد وبالداخل دافئ سوف يبدأ بتكون البخار ويتكاثف ويشكل قطرات الندى وهكذا يخرج الماء للوجود. حيث يقول الله عز وجل عن هذا الماء الذي فوقه العرش وتحته الخلق ـ ماء الحياة الناتج من التقاء النار الإلهي والنور النبوي ـ (وكان عرشه على الماء).
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً) سورة هود الآية السابعة
هذا يعني ان الماء يأتي من هذا التعرق النوراني الناتج من امتزاج نار الله المقدسة مع نار النبي الملطفة المبردة. فان الله عز وجل يثني ويصلي على هذه الحقيقة النبوية للنور النبي الأول (صلى الله عليه وسلم) والنبي (صلى الله عليه وسلم) بلطافة ونعومة انواره الباردة والهادئة تجعل من هذه النار المتجلية كالندى الناتج من اختلاط البارد بالحامي ويتعرق الانوار للإخراج الكائنات الى الوجود، وهذا مثل صناعة اللؤلؤ ومراحل تكونها حيث كل هذا الخلق يتم في هذا المصباح الزجاجي النوراني.
ندعو الله عز وجل ان يلبسنا من هذه الانوار وينزل علينا من رحماته وبركاته ويجعلنا نعود لتلك الانوار ويسمح لنا في النوال من حقائقها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين بسر سورة الفاتحة.
(شكر خاص للأخت سايره والاخت حفصة لمساعدتهم في التنصيص لهذه الصحبة)
من فضلك ساهم في دعمنا في نشر المعارف السماوية وعلوم الأولياء وتبرع الان
جميع الحقوق محفوظة للمركز النقشبندي الإسلامي في فانكوفر، حقوق الطبع والنقل والنشر لسنة ٢٠٢١ محفوظة للكاتب والمركز.